اخترنا لكم

الجمعة، 14 مارس 2014

تاريخ القراءة الحجازية

 عندما تجوب أحياء وطرقات مدينة جدة في ليالي هذه الأيام، ربما تستوقفك قراءة مختلفة للأئمة في المساجد،

جدة: وائل أبو منصور 



عندما تجوب أحياء وطرقات مدينة جدة في ليالي هذه الأيام، ربما تستوقفك قراءة مختلفة للأئمة في المساجد، حيث يتسابق المصلون في شهر رمضان للصلاة خلف الأصوات العذبة، ومنهم من يقطع مسافات بعيدة ليظفر بسويعات قليلة يستمع فيها إلى القرآن الكريم بطريقة تؤكد قول الحق سبحانه وتعالى: (ورتل القرآن ترتيلا)، طبقا لتعبير سجاد مصطفى أحد مقرئي مكة المكرمة المشهورين بهذه القراءة التي تعرف بالطريقة الحجازية. 
يقول سجاد مصطفى لـ "الوطن": نشكر كل من يحاول أن يحيي هذه الطريقة، خاصة عندما أصبحت تزاحمنا أصوات كثيرة في الفترة الأخيرة بسبب الفضائيات.
ويتمنى مصطفى أن يترعرع هذا الأمر، وأن تعود للحجاز تلك الميزة التي كانوا يتميزون بها في إخراجهم للكلمات، وقراءتهم للقرآن الكريم، "فالتراث القديم لمنطقة الحجاز لا يمكن أن يستغنى عنه" على حد قوله. 
واليوم تصعب الإجابة على وجه الدقة عن بداية نشأة القراءة الحجازية؟ وكيف تطورت؟ وبأي الروافد تأثرت؟ على نحو ما يؤكده رئيس تحرير مجلة الاتصال والإعلام، حسين بافقيه الذي يرأس تحرير جريدة أم القرى في الوقت نفسه، ويضيف:لم أجد من أرخ للقراءة الحجازية، هناك من أرخ لبعض القراء فقط. بينما يجتهد مصطفى في تحديد نشأة القراءة الحجازية، مع تأكيده على صعوبة التحديد الدقيق قائلا: أرى أن المقامات الحجازية حفظت لنا عن طريق أصحاب الموشحات والمدائح النبوية والمنشدين. وجاء القراء من بعد ذلك واستقوا من هؤلاء أسلوبهم، وقاموا بتطويعها تطوعاً صحيحاً للقرآن، وانتقلت من خلال مشايخنا إلى الأجيال من بعد ذلك بالسند المتواتر. 
وقد يجد المتذوق للقراءة الحجازية تشابها بينها وبين القراءة المصرية. يقول بافقيه في هذا الصدد: الذي أظنه، أن القراءة الحجازية ذات أصول تنتمي للبيئة الحجازية، فهي تختلف عن القراءة المصرية. ويدلل بافقيه على رأيه هذا بقصة وردت في كتاب (في منزل الوحي) للأديب المصري محمد حسنين هيكل. تقول باختصار: إنه عندما زار هيكل منزل أحد وجهاء مكة المكرمة، وقام أحد المقرئين بتلاوة القرآن بالقراءة الحجازية، علق هيكل عليها بأنها "قراءة لا نعرفها في مصر". 
ويضيف مصطفى "القراءة المصرية قراءة قديمة ولها تاريخ، ومصر هي بلد القرآن، فكثير من مشايخنا من مصر، وكبار المقرئين من مصر. وكذلك القراءة الحجازية، لها تاريخ عريق، ولكن لم تسلط عليها الأضواء الكافية. 
إتقان القراءة الحجازية يعتمد على إتقان فن المقامات. فالقارئ المجيد لهذه القراءة تجده ينتقل من مقام لآخر، ويعود إلى مقام غيره، انتقال العارف الماهر. والمقامات الأساسية هي سبعة (عجم - نهاوند - راست - بيات - حجاز - صبا - سيكا). يقول مصطفى: ليس شرطا للحافظ أن يدرس فن المقامات، ولكن يجب عليه أن يكون متذوقا لهذه المقامات، وألا يكون متكلفا، وأن يلتزم بضوابط التجويد.
أحد المقرئين الشباب بمسجد الحسنين بجدة، عبد الرحمن محمد إسحاق (24 سنة)، يقول إنه كان يواجه صعوبة في بداياته لأنه كان يخلط في قراءته بين المقامات، وكان يتتلمذ على أصوات محمد أيوب وسجاد مصطفى وموسى بلال وزكي داغستاني. ويوضح أن بعض المقامات الحجازية بحاجة إلى تركيز عند قراءتها. اليوم، يجيد إسحاق القراءة الحجازية، ويعرف كيف يطوع المقام بعناية فائقة. هو يؤم المصلين في الصلوات الخمس والتراويح، ويقول أنه يفطر على تمر وقهوة ويمسك عن الطعام والعصائر السكرية حتى بعد التراويح لأنه يرى أنها "تضعف الصوت". إسحاق كان كريما، وقام بالشرح العملي لكل مقام. عندما تسمع قراءته عن قرب، توقن بأن "المايكروفون" ومكبرات الصوت تظلم كثيرا من أصوات المقرئين. المقام المفضل عند إسحاق هو النهاوند باللون العدني. أصلح من جلسته، أخذ نفسا عميقا.. وراح يتلو (طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى. الرحمن على العرش استوى) تتواطأ الدموع مع صوت إسحاق في هذه اللحظات. توقف إسحاق عن القراءة. ولكن صوته الندي ظل يهتف في أذن السامع وفؤاده. 
مكة المكرمة كانت في يوم غير بعيد تعج بمجالس القرآن الكريم. يورد حسن عبد الحي قزاز في مؤلفه (أهل الحجاز بعبقهم التاريخي)، "كانت في مكة المكرمة مجالس للقرآن تنعقد في بيوت العلماء يحضرها الناس يجتمعون فيها لكتاب الله ثم ينصرفون فرحين مسرورين من غير تكلف بصنع طعام مقتصرين على الشاي والقهوة والحلوى". 
ويعلق مصطفى على ذلك: كانت هناك مجالس للقرآن في الحرم المكي الشريف للشيخ عبد الله خياط وغيره من المشايخ، وفي المسجد النبوي الشريف للشيخ محمد صديق ميمني، ومجموعة معه. ويأسف مصطفى لاندثارها من الحرمين الشريفين، ولكنه يقول إنها "بقيت في بعض البيوتات، وبدأت تحيا مجددا بشكل بسيط". 

من المشايخ القراء الذين كانوا يترددون على هذه المجالس: الشيخ زيني بويان، ومحمد الكحيلي، وعباس المقادمي، وزكي داغستاني، وعبد الكريم فلمبان، ومحمد عبيد، وغيرهم

0 التعليقات :